رداًعلى يوسف زيدان .. اختلاف القراءت القرآنية، بقلم محمود طراد




لقد خرج علينا يوسف زيدان بتصريح جديد تضمن مجموعة من الأخطاء العلمية الغير مقبولة، منها: أنه كان للقرآن 11 ألف قراءة، وأن قراءات القرآن مختلفة فيما بينها في المباني والعاني وبالتالي الله أعلم التفسير الصحيح مع أي قراء، وسأقف مع هذه الأخطاء سريعاً
الوقفة الأولى: يوجد 11 ألف قراءة بعدد الأمصار
رجعت إلى كتاب كشف الظنون الذي أسند إليه يوسف زيدان هذه المعلومة فوجدته يتكلم عن كتاب القراءات الخمس لأحمد بن جبير الكوفي، أخذ فيه من كل مصر قارئاً ، ولا أدري إذا كان الكتاب يتكلم عن القراءات الخمس وليس القراءات الأحد عشر ألف! فلماذا أسند زيدان هذه المعلومة إلى الكتاب المذكور رغم أنها لم ترد فيه، أما بالنسبة لكلمة (من كل مصر قارىء) فهو قد تتبع قراءة شيخ من كل مصر كلهم يقرؤن بقراءة من القراءات الخمس المذكورة وليس معناها أبدا أن 11 ألف قراءة ب 11 ألف معنى لكن التدليس هنا يلعب دوراً كبيراً
الوقفة الثانية: أن اختلاف القراءات معناه اختلاف المعنى ومن هنا فالتفسير الذي بين أيدينا مقتصر على قراءة واحدة ولا بد أن يكون تفسيراً خطأ.
وهذا قول يدل على أن الرجل عديم البضاعة العلمية في هذا الباب، إذ إن التفاسير الموجودة للقرآن تفاسير كثيرة جداً كلها ترجع إلى أقوال الصحابة والتابعين الذين عاصروا نزول القرن الكريم، فاجتمعوا جميعاً حول نص مكتوب واحد وهو مصحف عثمان رضي الله عنه. واختلاف الصحابة فيما لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تفسيره من باب الاجتهادات حول نص واحد وليس بسبب كثرة القراءات. إذن لا بد هنا من التأكيد على أن التفاسير الموجودة التي يقول زيدان أنها خطأ هي نقولات عن الصحابة والتابعين الذين عاصروا نزول القرآن فهل يريد زيدان القول بأن ما نقل عن الصحابة مليء بالخطأ! أم يهدف إلى شيء آخر ؟
النقطة الثالثة نزول القرآن على 7 أحرف
سأفترض أن المعلومة الأولى التي قال فيها بوجود 11  ألف قراءة للقرآن صحية يعني كل مصر له قراءة
وهو – زيدان يعترف بحديث نزل القرآن على سبعة أحرف- فهل يستطيع أن يقول الآن أن ما خالف السبعة أحرف شاذ وغير مقبول وتنتهي المشكلة ؟ أم هو يتعمد القول بوجود آلاف القراءات لتشكيك عامة المسلمين في القراءات الموجودة أمامهم.
على كل حال فمن كلامه يعترف أن القرآن نول على سبعة أحرف أي بلهجات العرب حتى يستطيعوا قراءته وفهمه وليس المقصود نزل بسبعة تفاسير متضادة ومختلفة. ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف".
إليك منها ما ذهب إليه أبو عبيد القاسم بن سلام واختاره ابن عطية وهو: ( أن المراد بالسبعة الأحرف سبع لغات متفرقة في القرآن العظيم، فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن، وكذلك سائر العرب، وليس المراد أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه. واحتج لهذا القول بقول عثمان حين أمرهم بكتب المصاحف: ما اختلفتم فيه أنتم وزيد فاكتبوه بلغة قريش فإنه أكثر ما نزل بلسانهم)
و (الأئمة المتبوعون من أئمة الفقهاء والقراء وغيرهم- على أن الأحرف السبعة لا يُخالف بعضها بعضاً خلافاً يتضاد فيه المعنى ويتناقض، بل يُصَدِّقُ بعضها بعضاً، كما تُصَدِّق الآيات بعضها بعضاً)..
وسيدنا عبد الله بن مسعود يشرح لنا هذا المعنى بكلمات دقيقة فيقول: إنه من قبيل قول أحدكم لأخيه ( تعال، وهيا، وأقبل )
ويقول الزركشي في البرهان في علوم القرآن فقال: واعلم أن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان:
فالقرآن هو: الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز.
والقراءات هي: اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتابة الحروف أو كيفيتها من: تخفيف، وتثقيل وغيرها.
أمثلة على اختلاف الأحرف التي نزل بها القرآن:
قراءة قوله تعالى: (مالك يوم الدين) قرأ عاصم  والكسائي مالك وقرأ الباقون ملك يوم الدين، واللفظان معناهما أن كلاً منهما يملك . مع زيادة معنى في كلمة ملك لكنها لا تتناقض مع كلمة (مالك) إذ ليس كل مالك ملك.
وكذلك قراءة قوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) جاء في قراءة أخرى صحيحة (فتثبتوا) وليس بينهما ترادف، ولكن تلازم أدى مفاد الترادف بأبلغ منه. فإن التثبت منهج علمي ينتهي بنتيجة التبين، ومن لم يتبين لم يتثبت بمنهج سليم وعليه فمن تثبت بمنهج سليم وفق للتبين الحقيقي باللازم
لماذا تم اختيار السبعة دون غيرهم :
اختيار السبعة دون غيرهم كان بسبب شهرة هؤلاء السبعة بين القراء، واتفاق أهل الأمصار عليهم، وكثرة الرواة عنهم، حتى إن أبا عبيد القاسم بن سلام قال فيهم: إنهم تجردوا في القراءة واشتدت بها عنايتهم وكثر لها طلبهم، حتى صاروا بذلك أئمة يأخذها الناس عنهم، ويقتدون بهم فيها.
وقال ابن مجاهد: فهؤلاء السبعة من أهل الحجاز والعراق والشام خلفوا في القراءة التابعين، وأجمع على قراءتهم العوام من أهل كل مصر من هذه الأمصار وغيرها من البلدان التي تقرب من هذه الأمصار، إلا أن يستحسن رجل لنفسه حرفاً شاذاً فيقرأ به من الحروف التي رويت عن بعض الأوائل منفردة، فذلك غير داخل في قراءة العوام، ولا ينبغي لذي لب أن يتجاوز ما مضت عليه الأئمة والسلف بوجه يراه جائزاً في العربية أو مما قرأ به قارئ غير مجمع عليه أ.ه

وعندما نقول أنه كانت هناك قراءات أخرى غير هذه السبعة لكنها قراءات غير متواترة أو قراءات شاذة قرأ بها بعض القراء لكن عندما قام علماء القراءات وعلى رأسهم عبيد الله بن سلام بوضع هذا القراءات أمام شروط القراءة الصحيحة ولم تثبت ولم تصح روايتها عن النبي صلى الله عليه وسلم قاموا بالاقتصار على القراءات المعروفة الآن.
مثال تقريبي: هناك معلومات دينية يقولها يوسف زيدان وغيره وغيره وغيره مئات من الناس نقوم نحن المتخصصين بغربلة هذه الآراء وإثبات أن المتكلم غير متخصص وبالتالي نقتصر على المعلومات الصحيحة ونثبت أن الباقي غير معتمد وغير صحيح، هذا هو الذي حدث بالضبط مع  القراءات الكثيرة التي يشير إليها يوسف زيدان.

وبعد هذا الإثبات بأن القراءات الموجودة هي من الأحرف التي نزل بها القرآن أود أن أخبركم بأصل هذا الافتراء
أصل هذا الافتراء حديثاً المستشرق جولد زيهر الذي زعم وجود تناقض بين القراءات في المعنى، واستدل على ذلك بتناقض القراءتين في سورة الروم ] غُلِبت الروم [ بالبناء للمجهول و] سيَغلبون بالبناء للمعلوم، والقراءة الثانية (غَلبت الروم) بالبناء للمعلوم (سيُغلبون) بالبناء للمجهول.
الجواب:
أن القراءة المتواترة في هذه الآية هي ]غُلبت الروم[  بالبناء للمجهول، أما القراءة الثانية فهي قراءة شاذة غير متواترة، وبالتالي لا تصلح لمعارضة القراءة الأولى ولا تعد قرآناً أصلاً

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المذهب الفلسفى عند الفارابى وابن رشد بقلم محمود طراد

شرح قصيدة الحائية ... كتاب جديد