ما أنت ؟ بقلم محمود طراد



                                                      ما أنت ؟
سؤال يتردد كثيراً حين يتعرف عليك بعض أصدقاء جدد ، ما أنت أى إلى من تنتمى ، دينياً أو سياسياً ، هل أنت تبليغى أم إخوانى أم سلفى ؟
هل تنتمى إلى الحرية والعدالة أم إلى النور أم إلى والوسط ؟ بعض الناس يولد فى فكر ، يعيش فيه ، يموت دون أن يرى غيره ، وآخرون يتقلبون بين هذا وهذا يبحثون عن الحق حتى يصلوا إليه بتوفيق الله تعالى ، وأذكر من بين هؤلاء الإمام أبا الحسن الأشعرى رحمه الله تعالى .
فهذا الرجل تنقل بين بعض الأفكار إلى أن استقر على ماستقر عليه إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ، ولعلى وبعض القراء من أمثال هؤلاء .
لقد تعلمت وخاصة فى آخر الفترة الماضية من حياتى أن الانتماء الفكرى يتنوع ، فهذا ينتمى إلى شخص وآخر ينتمى إلى مدرسة فكرية وآخر ينتمى إلى مؤسسة منافسة مضاهية لأخرى .
وأن الانتماء الفكرى لمدرسة معينة أو فكر شخص بعينه يدعو الانسان إلى الانغلاق ويحمله على القبول والرفض دون النظر إلى الأدلة ولكن فقط بالنظر إلى الرأى النهائى للمدرسة الفكرية التى ينتمى إليها أو رأى الشخص الذى ينتمى إلى فكره .
وهذا أمر خطر جداً ولكن دعنا نسأل لماذا هو خطر ؟
أولاً لأن التفكير عملية عقلية ، وعقول الناس تختلف من ناحية الصواب والخطأ فالحق هنا مرة وهناك أخرى .
ثانياً : عقولنا غير معصومة لأن العصمة ماتت يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثالثاً : أهل السنة والجماعة هم أهل الحق أينما كان يكونون ، يقبلونه من غير بنى جلدتهم إذا وجدوه لأنهم يعرفون أن الحكمة ضالة المؤمن .
أما من يقبل مسألة ما لمجرد  أنه علم أن جماعته أو مؤسسته أو شيخه قال هذا ويبدأ هو – أى الشخص – فى التفكيير للوصول إلى مببرات من عنده قبل أن يكلف نفسه فى بحث ونقد أدلة القوم فهذا بعينه هو التقليد المذموم .
فى كتاب الفكر الإسلامى فى تطوره لللدكتور محمد البهى رحمه الله تعالى ينقل قول ابن القيم رحمه الله تعالى فى أن أهل السنة هم أهل الحق يقبلون الحق من المعتزلة ومن الخوارج ومن أى كائن ، لأن قضيتهم الحق .
أهل الحق ربما بختلفون فى بعض المسائل لكن لا يخرج بعضهم بعض بالخلاف فى الفروع من دائرة الحق كما يقول ابن القيم رحمه الله تعالى :
" إن أهل الإيمان قد يتنازعون فى بعض الأحكام ولا يخرجون بذلك عن الإيمان وقد تنازع الصحابة فى كثير من مسائل الأحكام وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيماناً ... " راجع أعلام الموقعين .
ما أنت ؟ أنت مسلم لست إلا مسلم صدقونى ، لقد مرت على شهور وأعوام وأنا أميل إلى تيار إسلامى ومذهب فكرى ومدرسة معينة .. ولحظة لحظة وجدت نفسى أمام نفس فى مأزق كبير ، مفاده أنك لمجرد سماعك أن فلاناُ ( من مدرستك الفكرية ) قال قولاً تعتقد ولا شك تعصب أو بغير تعصب أنه الصواب فإن سمعت قولاً مخالفاًً وجدت عقلك دون تفكير يذهب إلى تبرير قبولك القول الأول ورفضك القول الثانى دون أن تستمع إلى مببرات مخالفة القول الثانى لقول فلان .
التعصب عند الدفاع :
يجعلك تعصبك للمدرسة أو المذهب الفلانى تدافع لمجرد الدفاع ويظهر ذلك حين تبدأ السماع لنقد مذهب آخر أو فئة أخرى لمذهبك وقواعده أو لأعلامه ، إنك لا تستطيع أن تصبر لتسمع بقية النقد وإن استمعت يحترق قلبك ، وأنا أقول لك يا صديقى الباحث عن الحق يهدأ ويهدأ ويهدأ ليقرر بعد سماع المخالف ، وهذا بالطبع أقصده عند الحديث عن المدارس الإسلامية خاصة لا عند الحديث عن إسلام وكفر .
ما أنت ؟ أنت علمك وثقافتك ، وقد كل امرىء ما كان يعلمه فلا تكن إلا ما تعلم ولا تقلل قدر نفسك ولا تكن ذيلاً أبداً  .
طالب الحق المثقف ( لا المقلد ) لا يغمض عينيه ليرى بعيون غيره إلا إذا كانت هذه العين عين رسول الله ، أما فلان الزعيم والقائد يرسم كلامه على أنه منهج حياة يلتف حوله الشباب ويجعلونه نبراساً يصلون به إلا الجنة فلا حول ولا قوة إلا بالله . نعم ضع كلام العلماء أمام عينيك وسر به ، لكن فرق دائماً بين قول الله وقول رسوله وبين اجتهادات العلماء واختلافهم فيما بينهم خاصة الخلاف القائم على الاجتهاد فليس قول أحد حجة على الآخر وقته .
ما أنت ؟ أن من تريد فمن تريد أنت أن تكون
محمود طراد

تعليقات

  1. جميل ومفيد فعلا التعصب الاعمى هو اللى عمل فى الشباب كده

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المذهب الفلسفى عند الفارابى وابن رشد بقلم محمود طراد

شرح قصيدة الحائية ... كتاب جديد

رداًعلى يوسف زيدان .. اختلاف القراءت القرآنية، بقلم محمود طراد