محمود طراد يكتب: من أحاور إذا أردت معرفة العلمانية الصحيحة!




هذا المقال رد سريع على الافتراءات التي ذكرها كاتب علماني في حواره المنشور على موقع (ارفع صوت) وفيه مجموعة من التساؤلات التي آمل أن يبحث لها الكاتب عن إجابات
يعاني الباحث من عدم قدرته على تحديد الوجهة التي يوجه إليها أسئلته التي أخذته من الإسلام كلية فراح يفرغ نفسه لمهاجمته صباح مساء، لكني أحاول أن أريحه بشكل أو بآخر فالحوار معي وأنا أعرف الكاتب جيداً سيحمله على الاستماع والتفكير علنا نساعد في دوائه والشفاء من الله تعالى
في حواره مع (ارفع صوتك) يقول طيب أكلم مين لو عاوز أتحاور مع الإسلام الصحيح.
بالضرورة ليس السؤال استفهامياً بل هو تهكمي ليقول بأنه ليس هناك إسلام واحد بل هناك (إسلامات) كثيرة إن صح التعبير، وحتى يكون القاريء على بينة من هذا الاستخدام ( أكثر من إسلام) أوضح له أن هذا التعبير لا يستخدمه سوى المستشرقين الذين يرون أن التيارات الإسلامية كل منها دين منفصل ويروجون لذلك، وهم  ينشرون هذا التوصيف لبلبلة المواطن العادي أو جهلا منهم بطبيعة الإسلام الحقيقية أو لأن هناك ممن يعمل  في مراكزهم البحثية مثل هذا الباحث قد انتقلوا من بيئات مختلفة فظن الغربيون والمستشرقون منهم خصوصاً أن كل مجتمع يمثل ديناً منفصلا.
ولأن هذا الباحث ولد من أب وأم مسلمين فإني أزعم أنه من التيار الأول الذي يعرف أنهم لا يمثلون أدياناً مختلفة وإنما يريد أن يشوش على تفكير المسلمين البسطاء.
كأن الباحث لا يعلم أن جميع الأيديولوجيات التي يتكلم عنها لها أصول متفق عليها ثم تختلف الأفهام في فروع كثيرةٍ إما لمرونة النصوص أو بالفعل للفهم الخاطئ الذي يتضح من خلال القراءة الصحيحة التي يصل إليها المتخصصون ولذا أعياه الوصول إليها .
حتى العلمانية التي يدين بها الباحث ليست علمانية واحدة فهل يمكنني أن أسأله أيضاً مع من أتحاور إذا أردت الوصول إلى العلمانية الصحيحة ؟ إن مراكز البحث التي هي قبلة الباحثين من أمثال هذا الكاتب تعترف بتوع العلمانية التي يؤمنون بها حتى إنهم يعترفون بما يسمى بالعلمانية المسلمة!
فإن قال إن العلمانية على أنواعها لا تختلف كاختلافات الإسلامات! المتنوعة فإنه إما مدلس أو قليل البضاعة ولا أظنه من الأخير ذكره، فالعلمانية منها:
العلمانية الملحدة والتي يمثلها هيجل وكارل ماركس وغيرهما
والعلمانية غير الملحدة: وعي علمانية لا تنكر وجود الله وتؤمن بها إيمانا نظرياً
والعلمانية المتدينة وهي التي يدين أصحابها بدين كالإسلام مثلاً
وبعد أن تبين أن العلمانية تختلف في الأصل الجذري لكل دين وهو الإيمان بوجود إله أو عدمه يبقى السؤال إلى العلماني ( هذا الكاتب أو غيره) مع من نتحاور إذا أردنا العلمانية الصحيحة؟
ولو نظرت إلى جميع الأيديولوجيات في العالم ستجدها على هذه الصورة، ثم يكون المرد في النهاية إلى النصوص المقدسة لدى هذه الأيديولوجيات ومدى صحة فهم التيار لها.
وهنا يمكن الانتقال إلى افترائه الثاني وهو أن الأزمة الحقيقة تكمن في نصوص الإسلام وليست فقط في الفهم المغلوط. وهو هنا يغلق علينا أن نقول له إن هناك فهما مغلوطاً وفهماً صحيحاً للإسلام وهذه هي الحقيقة التي لا يؤمن بها هو وغيره لكن يؤمن بها الباحثون الحقيقيون عن الحقيقة . ولكن لنقيم الحجة عليهم بشكل آخر نقول:
يعترف هؤلاء أن التيارات التي يرون أن كلا منها إسلام منفرد لم تكن وليدة ظهور الإسلام يوم بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بل بقيت الأمة بغير هذا الخلاف مئات السنين ولم تكن هناك أزمة للنصوص كما يدعي، ثم ظهرت الخلافات المذهبية بعد ذلك وهي خلافات تنوع لا اختلافات تضاد بل مثلها قد حدث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم تعتبرها قريش (أعتى الأعداء وألدها يؤمئذ) لم يعتبروا أن الإسلام متعدد في ذاته أو أن هناك أكثر من إسلام ولم يتوجهوا بهذه الفرية إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فإن قال لست أعني الخلافات المذهبية الفقهية ولكني أعني التيارات الإسلامية التي تمثل اليوم مناهج متنوعة في الإسلام، فالحق أنه يعرف الإجابة جيداً لكنه لا يريد أن يقنع بها رغم أنها مقنعة وهم يعون ذلك.
وهي أن جميع التيارات الفكرية والسياسية التي يعنيها الباحث من سلفية أو إخوان أو صوفية لم تختلف فيما بينها اختلافاً يجعل من كل منها ديناً منفصلا بل كل منهم يصف الآخر بأنه من أهل القبلة أي ليس ديناً منفصلاً، والقضايا الفكرية التي يختلف فيها السلفيون مع الإخوان والإخوان مع السلفية والسلفية مع الصوفية لا ترقى إلى أن تكون أبداً خلاف بين دين ودين، لكن يصمم العلمانيون على اعتبارهم هكذا تنصلاً من الحقيقة.
أما الأخطاء التي يقع فيها كل هذه التيارات فهي أخطاء فهم في قضايا معلومة (كقضية الجهاد وقضية الحكم والسياسة ) والحق فيها لمن تكون معه الحجة وهذا يستبين بالبحث والمحاورة.
حتى التيارات المسلحة يعلم الباحث أنها وليدة حديثة بسبب أحداث سياسية معينة في دول معينة، ولأن نصوص القرآن قد تحدثت في آيات كثيرة عن الكافرين الذين كانوا يجابهون الدعوة الإسلامية يومئذ يحاول العلمانيون أن يقولوا بأن هذه طبيعة الإسلام في عدم قبوله للآخر. وقد ساعدهم على ذلك فهم التكفيرين الذي يسقط أيضاً أمام الفهم الصحيح للنصوص.
من الافتراءات أيضاً: أن هناك أزمة بين الإسلام والعلمانية والتعددية ذلك أنه – من وجهة نظر الباحث- يريد أن يسيطر على الأيديولوجيات ويحكمها.
وما أسخف هذه الفرية! أوليست العلمانية أيديولوجية يراد اليوم سيطرتها على العالم ظنا من منظريها أنها الأصلح؟
ألم تمنع دول علمانية مسلمات من الظهور بملابسهن الدينية في الأماكن العامة؟ فأين العلمانية؟ ألم تخرج المظاهرات في الدول العلمانية لتنادي بعدم بناء المساجد؟ فهل نقول أن هذه  هي العلمانية أم هو فهم خاطىء للعلمانية ؟ ألم تحدث الحروب العالمية بين الدول العلمانية وبين دول أخرى تدين بفكر آخر كالشيوعية من أجل السيطرة عليها، هل يخفى على الباحث أقوال منظري العلمانية في هذه القضة بالذات ؟ هل من العلمانية حمل أصحاب الفكر الإسلامي على ترك معتقدهم ؟ أم العلمانية تتعلق بممارسات أصحاب هذه الأفكار؟
الحقيقة أن العلمانيين قد يتعاملون مع الأديان الوضعية كأبحاث علمية لأنهم يعرفون أنها ستتهاوى، لكن يخافون من التعامل مع الإسلام بطريقة بحث علمية لأنهم على يقين بأنهم سيسقطون!
دمتم بعقولكم


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المذهب الفلسفى عند الفارابى وابن رشد بقلم محمود طراد

شرح قصيدة الحائية ... كتاب جديد

رداًعلى يوسف زيدان .. اختلاف القراءت القرآنية، بقلم محمود طراد