محمود طراد يكتب: المرأة العربية والتغريب ح1


المرأة العربية من منافذ التغريب .. (1)

محمود طراد ... ماجستير في نقد الفكر الغربي

تتعدد نوافذ التغريب للمجتمعات العربي والإسلامية، فتارة يكون التغريب بالتعليم وتارة بالمؤتمرات وتارة بمنظمات المجتمع المدني وتارة بالتبادل التجاري والتبادل الثقافي، وتارة بالمرأة؛ والأخير من أهم النوافذ التي يعتني بها في عملية التغريب والغز والفكري، فالمرأة: ذلك المخلوق الذي كوّنه الله تعالى بخصائص تختلف عن الرجل وأوكل إليها مهاماً خاصة بها، أصبحت نافذة من نوافذ التغريب من وجهين: الأول الدعوة إلى المساواة بينها وبين الرجل في جميع  الواجبات والحقوق ومعاداة ما يسمى بالتمييز ضدها، والثاني: كونها يتعلق بها أحكام الفضيلة والعفة من حرمة الاختلاط والافتتان بها وغير ذلك. فلأجل هذين الهدفين أصبحت قضايا المرأة من أهم وسائل التغريب.

التدليس الغربي في قضية المرأة
وأعظم ذلك التدليس هو الربط بين لباس المرأة وطبيعة عملها وعلاقتها بزوجها وبالآخرين وبين التقدم الحضاري التي تنشده المجتمعات المسلمة، فمن يرجو التقدم عليه أن يتخلى عن لباس المرأة المسلمة وهو الحجاب، وعليه أن يحررها من وظيفتها المنزلية، وأن يلزم الرجل معها بهذه الوظيفة، وأن يتيح للمرأة الاشتغال بالحياة السياسية والاجتماعية. من هنا فإن النظرة الغربية إلى المرأة الملتزمة بدينها لا تخرج عن اثنتين: إما أنها امرأة متخلفة رجعية لأنها تلتزم بدينها، أو أنها امرأة مضطهدة من مجتمع متخلف رجعي؛ لأنه ملتزم بدينه، وكلا النوعين في نظر التغريبيين عائق أمام التقدم والحضارةّ

مدى الاهتمام بالمرأة المسلمة

دائماً تكون قضية المرأة من أهم القضايا لدى دول الاحتلال العسكري والاحتلال الفكري لأنها من أهم القضايا الاجتماعية، ولذا يقول (كرومر): (إن لفشل الإسلام كنظام اجتماعي أسباباً منها أنه جعل المرأة في مركز منحط كثيراً عن الرجل) وكما ينادي المستشرقون دائماً بضرورة مساواة المرأة بالرجل في الدول الإسلامية بعد تصويرها بأدنى مما عليه المرأة الغربية عندئذ تطالب المرأة العربية بالمساواة، وأكثر من ذلك أن الدول المتقدمة – من وجهة نظر الفكر الغربي هي التي تكثر فيها مراكز تهتم بقضايا المرأة، بل إن المنظمات الدولية لا تكاد تخلو من هذه المراكز.


المرأة في خريطة اهتمامات المراكز الغربية
كثرت المراكز الغربية المعنية بشئون المرأة والأبحاث والمؤتمرات الصادرة عن هذه المراكز أيضا كثيرة جداً، منها: مركز مساواة المرأة وهو مركز منبثق عن موقع الحوار المتمدن (مؤسسة مجتمع مدني تطوعي غير حكومية وغير نفعية وغير ربحية تعنى بقضايا الثقافة والإعلام ونشر الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي الإنسان التقدمي الحديث  وشعارها: من أجل مجتمع مدني علماني ديمقراطي يضمن الحرية ومركز "نظرة للدراسات النسوية" للجميع )، و لجنة مركز المرأة  التابع للأمم المتحدة وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة والمعهد الدولي للبحث والتدريب من أجل النهوض بالمرأة ومعهد الأمم المتحدة لبحوث التنمية الاجتماعية واللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة.

المؤتمرات التغريبية تهتم بالمرأة
ومن أهم المؤتمرات التي عقدت في ذلك: المؤتمر العالمي الأول للسكان المنعقد في بوخارست / رومانيا، عام 1394ه/ 1974م.، والمؤتمر العالمي للسنة الدولية للمرأة، المنقد في مكسيكو عام 1395م ه، 1975م، المؤتمر العالمي و مؤتمر الأمم المتحدة حن حقوق الإنسان والمنعقد في فيينا عام 1413هـ، 1993م، المؤتمر الدولي الرابع المعني بالمرأة المنعقدفي بكين، عام 1416هـ، 1995م. والمؤتمر الدولي للسكان والذى انعقد في مصر سنة 1994م

أهم قضايا المرأة في المؤتمرات
للوقوف على مثال لهذه القضايا نجد أوضحها ما جاء في مؤتمر القاهرة 1994م معالجاً بعض القضايا الاجتماعية والاقتصادية، مثل: مشكلة تكاثر السكان في مقابل قلة الموارد، داعياً من خلال ذلك إلى تحديد النسل وضمان الحرية لذلك، كما تبنى البرنامج قضية المساواة بين المرأة  والرجل وإزالة جميع الفوارق الموجودة بينهما، و عرض أيضا حق المرأة في العمل والتكسب والمساواة في الأعمال المنزلية بما لا يدع مجالاً لظهور أية فوارق بين الجنسين " وقد عقدت الوثيقة لذلك فصلاً كاملاً هو الفصل الرابع بعنوان (المساواة بين الجنسين والإنصاف وتمكين المرأة).
الحرية الجنسية للمرأة
كما دعت الوثيقة إلى دعم الحرية الجنسية بين غير المتزوجين فيما أسمته بـ " حق الأفراد " كما دعت إلى نشر وسائل منع الحمل للحد من كثرة النسل، وحذرت من الزواج المبكر ونفرت منه، كما شملت توصيات الوثيقة التركيز على التعليم المختلط بين الجنسين, وتطويره، وتعويق الزواج المبكر, وتنشيط الاتصال الجنسي بل كان من تلك المصطلحات التي اهتمت بها الوثيقة " المتعة الجنسية المأمونة والقائمة على التراضي " باعتبارها حقا للجميع وليست للأزواج فقط.
المساواة كحق من حقوق المرأة
المطالبة بالمساواة من أهم ما تتحدث عنه المؤتمرات، فالمساواة في الحقوق السياسية، والمساواة في الميراث، والحياة الوظيفية والعملية، بالإضافات إلى اتفاقيات التمييز ضد المرأة بما يتعارض بنسبة كبيرة مع القواعد الشريعة الإسلامية وأحكامها، وكل ذلك بما لا يتناسب أيضاً مع الطبيعة التي خلق الله المرأة عليها، أو المطالبات المادية والأسرية التي وضعها الله عز وجل على كل من الرجل والمرأة، ودائماً ما تأتي الدعوات الرامية إلى المساواة وغيرها وهي تهدف لا إلى حرية المرأة بل إلى انفلاتها وحرية الوصول إليها.
قضايا التمييز ضد المرأة

ففي عام 1997م: كانت اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة وهي المعروفة دولياً باتفاقية السيداو اتفق المؤتمرون على ضرورة تطبيق ثلاثين مادة، وردت في ستة أجزاء، للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، على أن يبدأ نفاذها في 3 سبتمبر 1981م. وجاءت هذه الاتفاقية لأول مرة بصيغة ملزمة قانونياً للدول التي توافق عليها؛ إما بتصديقها أو بالانضمام إليها. وحددت الأمم المتحدة العام2000م موعداً نهائياً لتوقيع جميع الدول عليها. ومن العجيب أن تكون الدول الداعية إلى هذه الاتفاقية من أكبر الدول تمييزاً ضد المرأة، ففي أمريكا مثلا نجد أن إحصاءات مرتكبي الاعتداءات ضد النساء في أمريكا: ثلاثة من بين أربعة معتدين هم من الأزواج: 9% أزواج سابقين، 35% أصدقاء، و32% أصدقاء سابقين. إحصائية أخرى تدرس نسبة المعتدين، تبين أن الأزواج المطلقين أو المنفصلين عن زوجاتهم ارتكبوا 79% من الاعتداءات بينما ارتكب الأزواج 21%.

تعليم المرأة كنافذة من منافذ التغريب

وفي هذه القضية يتم الاستفادة من حالة الفقر التي تعيشها كثير من البلدان الإسلامية والتي لا يهتم فيها كثيرون أيضاً بقضايا التعليم من أجل أن يتم بث الأفكار المنحرفة الخاصة بالمرأة من خلال البرامج التعليمية والتثقيفية الموجهة إليها، عقدت مؤتمرات أخرى للأمم المتحدة نوقشت فيها بعض قضايا المرأة، ومنها:
المؤتمر العالمي لتوفير التعليم للجميع في جومتيان- تايلند، 1990، والذي تم فيه الإعلان العالمي لتوفير التعليم للجميع، وأشار هذا المؤتمر إلى أن هناك 60 مليون بنت (من بين 100مليون) محرومة من التعليم الابتدائي. كما أن ما يزيد على ثلثي الأميين بين البالغين في العالم (وعددهم 960 مليون) من النساء، وهن من سكان الدول النامية، لاسيما في أفريقيا، وبعض الدول العربية.
قضايا الحرية والتحرر
هذا المصطلح الذي لا يكاد ينعدم على ألسنة التغريبيين وفي مؤتمراتهم، ومؤلفاتهم، وهو – المصطلح- يسعى إجمالاً إلى انفلات المرأة؛ وحرية المرأة في نظرهم يتضمن: إقامة العلاقات والتحرر من التقاليد الاجتماعية، من الملابس الشرعية والاختلاط ولا يحق عندئذ لأحد أن يمنعها من ذلك، وحتى القوامة التي جعلها الله تعالى للرجل على المرأة لينظم بها حياة المرأة هي في نظرهم عائق أمام الحرية التي يزعمونها لها، في حين أن الإحصائيات الدولية تؤكد أن هذه المجتمعات الغربية هي التي ترتفع فيها نسب الاغتصاب والتحرش، وهي التي تزيد فيها نسب قضايا النساء ضد الرجال، مما يدعونا إلى إدراك أن الهدف من اهتمامهم بالمرأة ليس المرأة وإنما ما سيحدث بعد ذلك في ثقافتنا وهويتنا.

قضايا المرأة فارق بين الإرهاب والتطرف
إذ لم يدْع روَّاد العملية التغريبة إلى مجموعة من النظريات الخاصة بالمرأة وفقط، بل يتم الترويج إلى أن النظريات الدولية التي يتم دعمها فيما يخص المرأة إنما هي فوارق بين الاعتدال والتطرف، فمن لم يعتنق هذه المبادئ ويعمل على نشرها ودعمها وتشريع الأحكام وفقها فهو متطرف، فرداً كان أو جماعة أو دولة. وذلك مدون في التقارير المعلنة لمراكز الفكر الغربية الموجهة إلى الحكومة مثل مؤسسة راند الأمريكية والتي تعتني بهذه القضايا وتجعلها فارقاً بين الحداثة والأصولية وبين التطرف والاعتدال، وهو ما أشار إليه تقرير المؤسسة لعام 2004م (الإسلام المدني الديمقراطي)، وتقرير المؤسسة لعام2007 م بناء شبكات مسلمة معتدلة. وبهذا يمكن استخدام هذه النظريات لاتهام الأفراد والتيارات والدول بالإرهاب، من أجل التضييق عليها أو إلزامهم بالتنازلات الدينية والانسلاخ منها في محاولة لإثبات الوسطية المزعومة والاعتدال أمام منظمات المجتمع الدولي.

وبعد: فهذه نظرة عامة لموضوع التغريب للمرأة وبالمرأة، ويبقى بعد ذلك التفصيل .. فإلى لقاء إن شاء الله


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المذهب الفلسفى عند الفارابى وابن رشد بقلم محمود طراد

شرح قصيدة الحائية ... كتاب جديد

رداًعلى يوسف زيدان .. اختلاف القراءت القرآنية، بقلم محمود طراد