رواية رجولة فى زمن صعب الحلقة الأولى .. قصة حقيقية من قرية ريفية اسمها أبو غالب

كثيرة هى المشكلات التى عرقلت كثيرا من الناس بسبب شخص أو عدة أشخاص ، أقرباء أو غرباء يحبهم أو يكرههم ، يحبونه أو يحقدون عليه فتفسد حياته حينا من الدهر ...

وها ما حدث معى منصور عبد الراضى

الأسرة الصغيرة

كالملتمس نار موسى فى الصحراء المظلمة يرجو القبس ولا معين !! عاشت أسرتى فى قريتنا المتواضعة التى حركتها السنوات جانباً وجانباً حتى استقرت ، من بيت العائلة الضيق الذى كان لا يسع إلا غرفة وصالة ، ذلك البيت الصغير ، الذى اضطر العم الأكبر فيه للخروج حتى يتمكن الصغير من الزواج .

فقر متقع ، وحاجة ملمة ، ولا اصف لكم وإن كنت لم أره ، كان والدى ذلك الطفل الذى لم يبلغ سوى شهور ، ثم مات أبوه ، ليتركه القدر بين أحضان الأم من جانب وبين ذراعى الفقر من جانب آخر ،.

وليت هذا وفقط ، ونسيان الكبار من جانب ثالث .

لكن وشاء القدر أن تطوى الأيام ليعمل بناءّاً فى قريتنا المتواضعة ، والبنائون فيها معدودون ..... ويا حظك يا عبد الراضى

حتى تزوج من بنت الحاج سيد وهو فى سن صغير ، ربما يرزق بالولد اللى يساعده قبل ميفوت الأوان .

لكن ...

تولد الابنة الأولى رضا ... وتموت بعد أشهر ...

ثم سناء .... وبعد أشهر تموت ......

ثم جيهان ..... وبرضه تموت .

ثم إيمان ....

وبعدين شرفت أنا ..... والله البلد نورت !

وكأن الشارع الذى كان يعيش فيه أبى استكانت البنايات على جانبيه وقريبا تنجلى الظلمة عندماأرى أولادى واحدا بعد واحد وبناتى واحدة بعد واحدة " فى ذهنه يدور الكلام " .

أخذت أسرتى جانبا بعيدا عن العائلة مما كان لا يسير الأمور أحيانا بين باقى أطراف عائلتنا لعدم رضا أبى بما كانوا يفعلون من أشياءهى فى نظرهم التقاليد لكنها تخالف الشرع،هذامثل ( الفروشات و الشبكة ) وغيره .

كان أبى يحفظ القرآن إذ كان خطيبا بمسجد من مساجد البلد ، يحب القرآن وأهل القرآن كانت لا تفوته هفوة ، لا تكاد تجد عليه معصية ، ...

أنا لا أجامل أبى لكن هذه هى الحقيقة .

كانت أختى الكبرى أقرب إخوانى لى ، لا لفرق بينها وبين الباقى ولكن لأنها كانت الأقرب لى سنا ، هى الأولى والرابعة .

الأولى فى الذين يعيشون مع أبى إذ مات لأبى وأمى ثلاث بنات قبلنا هن ( رضا وسناء وجيهان ) ولذلك كانت تلقب أمى بإم رضا ...

حفظت أختى القرآن وهى فى سن صغيرة ، احتجبت على صغر حتى أنى أتذكر أول يوم ارتدت فيه أختى الكبرى الحجاب ... وإن لم يكن يرضى الجميع بما أراد أبى أن يربينا عليه ...

حتى أن عمى الأكبر قال مرة لأبى ( إنت هتحزنها من دلوقت يا عبد الراضى ) .

أبى كان يريد أن يرى فينا ما تمنى أن يراه فى نفسه لكن الجميع لا يفهمونه .

كان أبى يضربنا كثيرا عند شعوره بضعف فينا فى الحفظ ضربنى كثيرا لكن لأنى كنت أول أولاده الذكور كان يخاف على جدا ولهذا كان شديدا معى ...

هناك فى الدكان المتواضع الذى كنا نبيع فيه الفول والطعمية يقف أبى وهو يعمل وقد وضع مصحفه على خشبة يراجع القرآن أثناء العمل ، وكانت أمى الطيبة بجواره تساعده ...

داخل ( الدكان كنت أجلس وأخى الأصغر ( محمد ) وأختى لنراجع وأبى يتابع من بعيد ، بس الغلطة .... بعلقة .

ربما يضربنا أمام الناس حتى يحفزنا على عدم تكرار الأخطاء مرة أخرى .

كنت أفكر كيف أفر من غضب الوالد ؟ وكيف أهرب من ( العلقة الموت ) التى كانت تطاردنى أثناء تسميعى على أبى .. ففكرت ..

قلت لنفسى ليس أعظم من الله .

إن أخطأت فى حفظى أحلف عليه بالله لا يضربنى وهذا دليل على سوء ظنى بنفسى أو ربماكنت أتقن الحفظ فإذا رأيت أبى فكأنى لا أعلم أن تلك السورة فى القرآن أصلاً.

خرجنا من ( الدكان ) مع أبى تاركين أمى تنهى بعض الأعمال واقتربنا من المنزل والوالد يركب دراجته المتواضعة وما أن دخلنا إلى المنزل إلا ووقعت فى المحظور ، .... ولا كأنى حافظ .

ومع ذلك ..... لا أصف لك ... عينك متشوف إلا النور ...

حلفت لأبى بالله وأنا فى اعتقادى أنا هذا يمنعه ويوجب عليه رحمتى آن ذاك لكن يبدو أنه على نفسها جنت ...

إذ كان حلفى سببا فى زيادة عقوبتى ( ملكش دعوة بربنا يا بن ال...) رد علىّ أبى

كنت مريضا بالنسيان مع سرعة البديهة أسرع من يحفظ ، أسرع من ينسى ، تعب أبى منى كثيرا ، ما طلب منى إلا نسيت ( عملت اللى قلتلك عليه يا منصور ؟ )

لا جواب

والله لولا إنى عارف انه نسيان متعرفش كنت عملت إيه ؟ " كان دائما يصبر نفسه بهذه الكلمات

كنت أحفظ " بالعافية " وكانت جدتى لأبى تحاول معى وهى " منكادة منى " وتقول : " يا بنى ادخل راجع قبل متيجى تسمّع ويضربك ".

بصراحة زهقتهم ، وكان ترك اللعب أشد علىّ من لسعات " المقشة " التى كان يضربنى بها أبى .

فى هذه الأيام وكان أبى يعمل خطيباً بوزارة الأوقاف المصرية ، والخطبة ب 5 جنية والحسّابة .. عفواً يعنى 20 جنية فى الشهر .

والله يا بلاش ، الوزير بتاعنا مش مخلينا عايزين حاجة .

كان الشيخ "ناجح " قريب الوالد ، راجل كبير شكوته و....

كان أبى يعيش فى بلدتنا منفعلاً مما يراه .

كلام فاضى كتير ومش عارف أعمل إيه " حالة يعيشها الشيخ عبد الراضى .

جلس ينتظر الفرج والتغيرر يبدأ بخطوة زى رحلة المليون بتاعة سنبل مبدأت بخطوة !!!

كان ينتظر ذلك الشعاع الذى سيخرج من المس فى صبيحة ليلة سوداء مظلمة يعقبها فجر صادق ومع الشعاع الفرج .

كان كثير الكلام فى حلقات الدروس وعلى درجات المنبر ، كان دائما يصرخ كمتألم من مرض قلما تجدون له الدواء .

كان بيتكلم عن المآتم ، من بين كلماته الرنانة فى مكبرات الصوت فى المساجد .

جالك الموت يا تارك... لا لا لا .

جالك ناجح يا عبد الراضى .

تعليقات

  1. بداية جميلة يا ريت تكمل

    ردحذف
  2. الراجية رحمة ربها19 فبراير 2011 في 9:11 م

    اللهم ارزقنا حسن الختام والممات على دين الإسلام اللهم لا تقبض روحى إلا وأنت راضِ عنى

    ردحذف
  3. قصة روووووووعة يا أستاذ محمود

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المذهب الفلسفى عند الفارابى وابن رشد بقلم محمود طراد

شرح قصيدة الحائية ... كتاب جديد

رداًعلى يوسف زيدان .. اختلاف القراءت القرآنية، بقلم محمود طراد